“قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ” —
هناك حبّ، وهناك حبٌّ يُربّي قلبك، يطهّره، يُبقيه حيًّا، يُنجيك، يُسمّى: حبّ الله.
ليس كأي حبّ، لأن هذا الحبّ لا يُشبه شيء. لا يُكلفك إلا صدقك، ولا ينتظر منك الكمال، بل ينتظرك أنت كما أنت، ثم يطهّرك شيئًا فشيئًا، يُبدّل قلبك، ويقودك إليه بلطف خفيّ.
قال الله:
“قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ” [آل عمران: 31]
آية عظيمة، كاشفة، فاصلة…
الناس كثيرًا ما يقولون: نحبّ الله، لكن هذه الآية تختبر صدق الحبّ، وتُعطيك المفتاح لتصل إلى أن يحبك الله.
أن تحبّ الله أمر، وأن يحبك الله… شيء آخر تمامًا.
أن يحبّك الله يعني أن يُسخّر لك ما لا يخطر لك على بال، أن يُهيّئ قلبك للطاعة، أن يضمّك في الرضا حتى وأنت في الألم، أن يُدخلك في رحمته الخاصة، لا العامة.
والطريق إلى أن يحبك الله، هو أن تتبع نبيّه ﷺ؛ لا مجرد اتباعٍ سطحيّ، بل أن تتشرّب سنته، روحه، خُلقه، أن تمشي كما مشى، تُعامل الناس كما عاملهم، أن تحبّ الله كما أحبّه.
أولياء الله.. والذين يحبّهم الله
قال النبي ﷺ في الحديث القدسي عن ربنا جل جلاله:
“من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها…”
توقّف وتأمّل…
من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب.
الله لا يرضى أن يُؤذى أحبّاؤه، أولياؤه، أولئك الذين سكنوا حبّه، فصاروا قريبين منه في كل لحظة. ليسوا أنبياء، لكنهم عَبَروا الدنيا بقلوب مُحبّة، طاهرة، مطمئنة.
من هم أولياء الله؟
هم أُناس مثلك، أحبّوا الله صدقًا، فصاروا في كنفه، محفوظين بلطفه، مشمولين بعنايته. عبدوه في السر والعلن، وأحبّوا قربه، فقرّبهم.
لكن…
هل الله يحبّ الجميع؟
نعم، الله يحبّ عباده كلهم، لكنه يختار خواصّ من خلقه، يُحبّهم محبة خاصة، محبة تُغيّر مجرى حياتهم، وتحيي قلوبهم بنورٍ من عنده.
الله وليّ الذين آمنوا
قال تعالى
“اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ۖ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” [البقرة: 257]
الله وليّك… يتولّاك، يرعاك، يقف معك حين لا أحد يقف، يخرجك من ظلمات الجهل، والضياع، والغفلة، والذنوب… إلى نور الهداية، واليقين، والطمأنينة.
تخيّلي أن يكون الله وليّك…!
أي أنك تمشي في الدنيا بقلب محاط بحبّ الله، تُخطئين فيرحم، تضعفين فيقوّي، تحزنين فيربّت، وتفرحين فيزيدك
كيف أصل إلى حبّ الله الخاص؟
من الحديث القدسي، نجد الطريق واضحًا:
ابدأ بالفرائض. ليس هناك شيء أحبّ إلى الله من أداء الفرائض بإتقان قلبًا وقالبًا. أن تصلي لأنك تحب أن تقف بين يديه، لا فقط لأن الصلاة “واجب”.
استمر بالنوافل. هي طريق التميّز. النوافل سرّ القرب، هي اللحظات التي تقول فيها: “يا رب، لم أكن مضطرًا لهذا، لكنني أريده حبًّا لك، لا فرضًا عليّ”.
الثبات. لا تقطع السير. استمر. فحبّ الله لا يُنال بيوم أو يومين. بل بخطى ثابتة، وصبر، وشوق.
حين يحبك الله…
يُلهمك أن تبتعد عن المعصية دون أن يُحرجك.
يضع في قلبك خوفًا منه، لكنه خوف محب، لا خوف قطيعة.
يرزقك حسن الخاتمة.
يذكّرك به حين تنسى.
يوقظك من غفلتك بلطف.
يُصلح قلبك قبل أن تصلح أعمالك.
أعمق
“هناك حبّ، وهناك حبّ يُربّي قلبك، يطهّره، يُبقيه حيًّا، يُنجيك… يُسمّى: حبّ الله.”
الحب العادي يعبر بك مشاعرًا مؤقتة، لكن حب الله ليس عابرًا، بل هو مدرسة، يُربّيك، يعلّمك، يهذبك.
ليس حبًا يدغدغ مشاعرك فقط، بل حب يصوغك من جديد، يجعل قلبك حيًّا في زمن يموت فيه الناس بأعين مفتوحة.
حب الله يُشبه النور الذي يدخل غرفةً مغلقة من سنين، فتبدأ تتنفس للمرة الأولى.
“لا يُشبه شيئًا، لا يُكلّفك إلا صدقك…”
تأمل هذا:
الله لا يطلب منك المثالية، لا يطلب أن تكون كاملًا أو بلا أخطاء، بل يطلب منك “الصدق”، فقط.
أن تأتيه بقلبك مهما كان مكسورًا، تائهًا، ناقصًا… فتقول له: “يا رب، أنا أحبك، وأريدك، وسأعود، ولو سقطت ألف مرة.”
وحين تكون صادقًا في حبك، فإنه يحبك حبًا يليق بجلاله… حبًا لا يُقارن.
“ثم يطهّرك شيئًا فشيئًا، يبدّل قلبك، ويقودك إليه بلطف خفي.”
هنا السر…
الله لا يعجّل عليك التغيير، لا يطلب منك أن تتطهّر فجأة، بل يطهّرك بـ رحمته، شيئًا فشيئًا.
مثل نهرٍ جارٍ على صخرة، لا يُكسّرها بقوة، بل يُليّنها بنعومة، حتى تُصبح ملساء نقية.
ويكون هذا التطهير غالبًا بلطف خفي…
ربما يبعد عنك معصية كنت تتعلق بها.
أو يُغلق بابًا كان يبعدك عنه.
أو يُنبت في قلبك فجأة كرهًا لما يُغضبه. كل ذلك يجري، دون أن تشعر، لأنك صدقت في حبك.
“أن يحبك الله… شيء آخر تمامًا”
هل تخيّلت يومًا، أن يُصبح اسمك مكتوبًا في السماء أن:
“هذا عبدي، أنا أحبّه.”
قال النبي ﷺ:
“إذا أحبّ الله عبدًا نادى جبريل: يا جبريل، إني أحب فلانًا فأحبّه، فيُحبّه جبريل، ثم يُنادي في السماء: إن الله يحب فلانًا، فأحبّوه، فيُحبّه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض.”
فكلّ شيء يبدأ من هناك… من حب الله.
يحبّك، فيحبك الملائكة، ويحبك الناس، ويُضيء طريقك، ويملأ حياتك بالبركة، وتُصبح محبوبًا ولو لم تفعل شيئًا، لأن الله هو الذي أحبك.
“أن يحبّك الله يعني أن يضمّك في الرضا حتى وأنت في الألم”
ربما تمر بأيام ضيق، مرض، قلق، ضياع، لكن في داخلك شيء غريب… سكينة.
ليس لأن الظروف سهلة، بل لأن الله معك، قريب منك، يُمسك بيدك دون أن تراها، ويقول لقلبك دون أن تسمع: “أنا هنا.”
الناس حولك لا يفهمون، لكنك تعلم…
تعلم أن حب الله في قلبك هو الذي يحملك، ويجعلك تبكي وأنت مطمئن، وتضعف وأنت مطمئن، وتنتظر وأنت راضٍ.
“الطريق إلى حب الله هو اتباع نبيّه ﷺ”
فقال:
“قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله…”
اتباعه ليس شكلاً فقط، بل اتباع في الروح:
أن تُصلّي كما كان يصلي، لكن بقلبه لا فقط بحركاته.
أن تُسامح كما سامح.
أن تحب الناس كما أحبهم.
أن تذكر الله كما كان يذكره… حتى تنتفخ قدماه، ولا يزال قلبه في الذكر.
الخاتمة:
حبّ الله لا يُشترى، ولا يُفرض، لكنه يُطلب بصدق، ويُزرع في القلب فيُثمر نورًا وطمأنينة ونجاة.
وكلما ازددت حبًّا له، ازداد حبًّا لك، حتى تمشي في الأرض وهو معك، يسمعك، ينصرك، يطمئنك، ويأخذك برفقٍ نحو الجنة.
يا رب، ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك.
واجعلنا من أوليائك، ومن الذين تحبهم محبةً خاصة… تُحيي بها قلوبنا في الدنيا، وتنجينا بها في الآخرة
تأملت بالمقال كثير اللهم احسن خاتمنا ونور قلوبنا وارزقنا الذريه الصالحه
الله يعطيك العافيه على المقال الرائع !💗💗